الوطن ضمير حي ونور في القلب لا يخبو ولا تنطفئ جذوته، فأين ما تكون الروح تكن البلاد رمزاً ومنبعاً للشموخ والعزة والأنفة، فكانت هذه الأبيات دليلاً صادقاً وحساً ناطقاً حيال مملكة الإنسانية ودلالة على عمق نفسي وروحي يربط ما بين الشاعر والوطن:
|
بأي أرض وقفت أمثل بلادي |
واللابه اللي دول تعرف محاربها
|
عيب ألحق الركب ما دام الجدي غادي |
ليلة تذاكى الصغير وضاع مدّبها
|
لو نكس أعلام كل الكون بحدادي |
رايتك يا دار نسناسك يداعبها
|
يا قبلة الكون كله.. عزوة الضادي |
لا ضاقت الأرض من ساير جوانبها
|
منّك تعلمت كيف أذل حسادي |
وأصنع صباح العيون بعز مغربها
|
للغربة لون قاتم وهم قاتل وسبب للتعبير والبوح، فنجد أن للغربة الروحية والذاتية دوراً في تحريك المشاعر وإثارة الأحاسيس، فيقول في أحد نصوصه:
|
عن الوطن غربتك عادي لو تطول |
بس المصيبه غربتك.. بين ناسك
|
فكانت الغربة هنا غربة روح لا صدى يرد الصوت ولا مدى يحتوي الوجع المكبوت عبر تجليات المسافر في رحلته الطويلة المضنية ويقول في نص آخر:
|
تعبت أدور لي وطن.. وقلوب الأغراب.. اغتراب |
وأنته أحق من الغريب.. ف.. بعض روحك وجسدك
|
وفي نص آخر كذلك عن الغربة وما تسببه من ألم وضيقة مذكرات أول حلم طموح من دون التعثر بمطبات الوهم يقول:
|
أربع أعياد.. تغريبه وحيره.. وأشعث الوقت.. عاونه النوى!!
|
يبحث عن قلب يحتوي غربته، وصدراً حانياً يفهم معاناته في حضور شاعري أخاذ، إذ يقول:
|
جيتك غريب ديار تايه وحيران |
ضاقت بي ابلاد وسافرت لبلاد
|
أنت الوطن للي هجر كل الاوطان |
شوفتك عيدي كان لسنيني أعياد
|
فكأن العالم بأسره على اتساعه وكبره يراه بحجم ثقب الإبرة في عينه التي تبحث عن ضوء، وقلبه الذي يحتاج للحنين، يقول هجاج:
|
والكون كله وسع ثقب الخلالي |
بالعين قام شويه.. شويه يضيق
|
والقلب مثل البوصله للشمالي |
سهم حنينه تحت حدب الصناديق
|
لكل إنسان تجربة في هذه الحياة بحلوها ومرها، فالحظيظ من اتعظ بغيره، والفطين من استفاد من أخطائه.. والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فنجد هجاج لخص بعض هذه التجارب التي مر بها في حياته من خلال نصوصه فيقول:
|
دايم اللي يجعل الجاهل شويره |
بآخر المشوار.. ياكلها هوى!!
|
ويقول في نص آخر:
|
لو كل دربٍ.. يودي جاب |
ما شفت حيٍ.. بكا ميت
|
بالفعل الشخص الذي تحبه وتقدره يجعلك تتغاضى عن بعض زلاته وعيوبه، فيقول في ذلك:
|
والغلا مثل الصخا يمحى العيوب |
يوّصل المحبوب لحدود الكمال
|
وفي نص آخر يقول:
|
الطير ماله بالهواء جرّه.. |
والبحر موته دون مرجانه
|
أحلى علاقه.. تبتدي مرّه.. |
والوصل ياتي عقب هجرانه
|
الشيمة.. حشيمة للنفس وسمو بها نحو هام السحب هناك، حيث النقاء والبياض والطهر:
|
يا صدر لا تضيق دام الكون في كبره |
لا دنيت نفوس رديان العرب شمنا
|
لو خاطري كل ما طاب كسروا جبره |
حنا على دمحة الزلة تعلمنا
|
(وأتعفف من شموخي لا أشحدك) شموخ لا يعرف الذل والانكسار أو الخنوع والخضوع:
|
أحتاج لك.. حاجة دعاء المضطر بأنه يستجاب |
فقير وصلك وأتعفف من شموخي لا أشحدك
|
الوفاء عملة صعبة في زمان كثر فيه الغدر والخيانة.. في زمان النسيان والتناسي، فنجد هجاج متشبثاً بالوفاء ومندداً بالغدر والطعن بالقفا:
|
لا تعيش العمر من خل بخليل |
أنتظر غيّاب قلبك يرجعون
|
لا تقول أرجوعهم لي مستحيل |
ما يبرر طول غيبتهم تخون
|
ومن نص آخر يقول عن الخيانة أيضاً:
|
يا غاليه.. لو خنت بك مرّه |
قتلت قلبٍ خان من صانه
|
وهنا يقف الموت حائلاً بينه وبين الغدر، إذ يقول:
|
تدري وش اللي ذبحني وأنت ما تدري |
إني تمنيت تكرهني وأنا أحبك
|
إلى استحاااال الوصل.. موتي ولا غدري.. |
لو قلبي إن صدت عيوني يرحب بك
|
وفي هذا البيت يؤكد أن الوفاء وحسن النية هو المال الوحيد الذي يملكه:
|
حرااام أموت.. وداخلي كون وبيوت.. |
وبيض النوايا والوفاء راس مالي
|
ومن نص آخر يقول عن العهد والميثاق:
|
ثقيل حمل وعزتي راس مالي |
يهون عمري ما تهون المواثيق
|
وهنا نتابع ذلك النكران والجحود والغدر والخيانة في صور شعرية رائعة، حيث الرسم بالكلمات وتجسيد المشاعر من خلال النحت بالأحاسيس:
|
أسرفت في حبك عطا.. ما شكرتي |
يا مورّدة.. ركب الوفا.. للخيانه
|
عادي وفاااي.. وعايدي لو غدرتي |
كلٍ يمثل بيئته في زمانه
|
ولا هو ب.. أنا اللي لا زبنتي خسرتي |
ولا هو ب.. أنا منهو يخون الأمانه
|
كما قلنا آنفاً إن الإنسان يؤثر ويتأثر، فتجده متأثراً بالحياة من حوله في جميع أشكالها وتقلباتها، فيصوغها برؤيته الخاصة من خلال حالة الوعي واللاوعي التي ترسبت في عقله ورسمت في ذاكرته من خلال القراءة والاطلاع والاحتكاك بتجارب الآخرين وانطباعاتهم.. فنجد هجاج يضمن نصوصه تلك الثقافة المعرفية والفكرية التي تنطلق منها رؤيته. فيقول في أحد نصوصه:
|
(طوق الحمامه).. (ما جاء بالعشق).. (الأغاني) |
لمسات (فان جوخ).. وترويقة (شكسبيره)
|
ونلاحظ أن هجاج يعبر عن حياته وما يختلج في قلبه بلغة شعرية سهلة يستخلصها من الموجودات حوله بلغة تميل إلى البساطة، ولكنها مفعمة بالحرارة الشعرية والصور الحية والتراكيب التي تتسم بالسهل الممتنع، فتنفجر منهمرة بحرارة الأحاسيس ودفء المشاعر مسكونة بالقلق والحيرة بالمكان والشخوص كقوله:
|
القرايا.. صيفها صيف.. وشتاها شتا |
ما يدفي بردها النار وبشوت الحسا
|
وأنت ياللي تشعب أركاب صدك لا متى؟ |
وأنت حاديني على البرد.. ودروب القسا
|
وفي قوله ضمن إطار رؤية شعرية إبداعية مفعمة بالتصوير الفني واللغة المكثفة في أنساقها والغنية بدلالاتها:
|
لا شك لأظمى على هداج ورادي |
والعين قامت تعلاّ فوق حاجبها
|
لا يضيق صدرك بهالدنيا ترى عادي |
أفراق خلانها.. وطعون صاحبها
|
جميل أن نرى في تجربة هجاج تلك النصوص البعيدة عن التقليدية التي تنأى التقريرية المباشرة في تكثيف للمعنى واقتصاد للفظ يقدم لنا فكرته برؤية خاصة مشعل في اللحظة نفسها أنفاسنا للبحث عن أنفسنا مؤطراً في الوقت ذاته لغة شعرية في سياق لغوي متناسق عبر أنساقه المنتقاة بعناية.. فنجده في أحد نصوصه يقول:
|
كل عام ورمشك الجارح بخير |
كل عام وهجرك أحبابك حلال
|
أنت ياللي تشعل الدنيا هجير |
وأنت بيدك.. تقلب القلزم زلال
|
إبراهيم الشتوي
|
|